فصل: قال النووي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله تعالى: {في الأرض} يعني بالقحوط والزلازل وغير ذلك. وقوله: {في أنفسكم} يريد بالموت والأمراض وغير ذلك.
وقوله تعالى: {إلا في كتاب} معناه: إلا والمصيبة في كتاب. و: {نبرأها} معناه: نخلقها، يقال: برأ الله الخلق: أي خلقهم، والضمير عائد على المصيبة، وقيل: على {الأرض}، وقيل: على الأنفس، قاله ابن عباس وقتادة وجماعة وذكر المهدوي جواز عود الضمير على جميع ما ذكر، وهي كلها معان صحاح، لأن الكتاب السابق أزلي قبل هذه كلها.
وقوله تعالى: {إن ذلك على الله يسير} يريد تحصيل الأشياء كلها في الكتاب. وقوله تعالى: {لكي لا تأسوا} معناه: فعل الله ذلك كله وأعلمكم به ليكون سبب تسليمكم وقلة اكتراثكم بأمر الدنيا، فلا تحزنوا على ما فات، ولا تفرحوا الفرح المبطر بما آتاكم منها. قال ابن عباس: ليس أحد إلا يفرح ويحزن، ولكن من أصابته مصيبة يجعلها صبرًا، من أصاب خيرًا يجعله شكرًا.
وقرأ أبو عمرو وحده: {أتاكم} على وزن مضى، وهذا ملائم لقوله: {فاتكم}. وقرأ الباقون من السبعة: {آتاكم}، على وزن أعطاكم، بمعنى آتاكم الله تعالى، وهي قراءة الحسن والأعرج وأهل مكة. وقرأ ابن مسعود: {أوتيتم}، وهي تؤيد قراءة الجمهور.
وقوله تعالى: {والله لا يحب كل مختال فخور} يدل على أن الفرح المنهي عنه إنما هو ما أدى إلى الاختيال، والفخر بنعم الله المقترن بالشكر والتواضع فأمر لا يستطيع أحد دفعه عن نفسه ولا حرج فيه.
{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)}.
اختلف النحاة في إعراب: {الذين} فقال بعضهم: هم في موضع رفع على الابتداء، والخبر عنهم محذوف معناه الوعيد والذم، وحذفه على جهة الإبهام كنحو حذف الجواب في قوله تعالى: {ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض} [الرعد: 32] الآية، وقال بعضهم هم رفع على خبر الابتداء تقديره هم الذين {يبخلون}. وقال بعضهم في موضع نصب صفة لـ: {كل} [الحديد: 23]، لأن كلًا وإن كان نكرة فهو يخصص نوعًا ما فيسوغ لذلك وصفه بالمعرفة، وهذا مذهب الأخفش. و: {يبخلون} معناه: بأموالهم وأفعالهم الحسنة من إيمانهم وغير ذلك.
وقوله تعالى: {ويأمرون الناس} يحتمل أن يصفهم بحقيقة الأمر بألسنتهم، ويحتمل أن يريد أنهم يقتدى بهم في البخل فهم لذلك كأنهم يأمرون.
وقرأ الحسن: {بالبَخَل} بفتح الباء والخاء. وقرأ جمهور القراء وأهل العراق: {فإن الله هو الغني الحميد} بإثبات: {هو}، وكذلك في {إمامهم}. وقرأ نافع وابن عامر: {فإن الله الغني الحميد} بترك (هو)، وهي قراءة أهل المدينة، وكذلك في (إمامهم)، وهذا لم يثبت قراءة إلا وقد قرئ على النبي صلى الله عليه وسلم بالوجهين. قال أبو علي، فـ: (هو) في القراءة التي ثبت فيها يحسن أن يكون ابتداء، لأن حذف الابتداء غير سائغ. و: {الكتاب} اسم جنس لجميع الكتب المنزلة. {والميزان}: العدل في تأويل أكثر المتأولين. وقال ابن زيد وغيره من المتأولين: أراد الموازين المصرفة بين الناس، وهذا جزء من القول الأول.
وقوله: {ليقوم الناس بالقسط} يقوي القول الأول.
وقوله تعالى: {وأنزلنا الحديد} عبر عن خلقه وإيجاده بالإنزال كما قال في الثمانية الأزواج من الأنعام، وأيضًا فإن الأمر بكون الأشياء لما تلقى من السماء، جعل الكل نزولًا منها. وقال جمهور كثير من المفسرين: {الحديد} هنا: أراد به جنسه من المعادن وغيرها. وقال ابن عباس: نزل آدم من الجنة ومعه السندان والكلبتان والميقعة، قال حذاق من المفسرين: أراد به السلاح، ويترتب معنى الآية بأن الله أخبر أنه أرسل رسله وأنزل كتبًا وعدلًا مشروعًا وسلاحًا يحارب به من عند ولم يهتد بهدي الله فلم يبق عذر، وفي الآية على هذا التأويل حض على القتال وترغيب فيه.
وقوله: {وليعلم الله من ينصره} يقوي هذا التأويل، ومعنى قوله: {ليعلم} أي ليعلمه موجودًا فالتغير ليس في علم الله، بل في هذا الحدث الذي خرج من العدم إلى الوجود.
وقوله: {بالغيب} معناه: بما سمع من الأوصاف الغائبة فآمن بها لقيام الأدلة عليها.
ثم وصف تعالى نفسه بالقوة والعزة ليبين أنه لا حاجة به إلى النصرة، لكنها نافعة من عصم بها نفسه من الناس. ثم ذكر تعالى رسالة (نوح وإبراهيم) تشريفًا لهما بالذكر، ولأنهما من أول الرسل. ثم ذكر تعالى نعمه على {ذريتهما}. وقوله تعالى: {والكتاب} يعني الكتب الأربعة، فإنها جميعًا في ذرية إبراهيم عليه السلام. وذكر أنهم مع ذلك منهم من فسق وعند، فكذلك بل أحرى جميع الناس، ولذلك يسر السلاح للقتال.
{ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ}.
{قفينا} معناه: جئنا بهم بعد الأولين، وهو مأخوذ من القفا، أي جاء بالثاني في قفا الأول، فيجيء الأول بين يدي الثاني، ومنه القوافي التي تأتي أواخر أبيات الشعر، ثم ذكر (عيسى) عليه السلام تشريفًا وتخصيصًا.
وقرأ الحسين: {الأنجيل} بفتح الهمزة، قال أبو الفتح: هذا مما لا نظير له. و: {رأفة ورحمة ورهبانية} مفعولات {جعلنا}. والجعل في هذه الآية بمعنى: الخلق.
وقوله: {ابتدعوها} صفة لـ: {رهبانية} وخصها بأنها ابتدعت، لأن الرأفة والرحمة في القلب لا تكسب للإنسان فيها، وأما الرهبانية هم ابتدعوها، والمراد بالرأفة والرحمة: حب بعضهم في بعض وتوادهم، والمراد بالرهبانية: رفض النساء، واتخاذ الصوامع، والمعتزلة تعرب {رهبانية} أنها نصب بإضمار فعل يفسره {ابتدعوها} وليست بمعطوفة على الرأفة والرحمة ويذهبون في ذلك إلى أن الإنسان يخلق أفعاله فيعربون الآية على مذهبهم، وكذلك أعربها أبو علي. وروي في ابتداعهم الرهبانية أنهم افترقوا ثلاث فرق، ففرقة قاتلت الملوك على الدين، فقتلت وغلبت. وفرقة قعدت في المدن يدعون إلى الدين ويبينونه، فأخذتها الملوك ونشرتها بالمناشر وقتلوا، وفرقة خرجت إلى الفيافي وبنت الصوامع والديارات، وطلبت أن تسلم على أن تعتزل فتركت وتسموا بالرهبان، واسمهم مأخوذ من الرهب، وهو الخوف، فهذا هو ابتداعهم ولم يفرض الله ذلك عليهم، لكنهم فعلوا ذلك {ابتغاء رضوان الله}، هذا تأويل أبي أمامة وجماعة، وقال مجاهد: المعنى {كتبناها عليهم} {ابتغاء رضوان الله}. فـ: (كتب) على هذا بمعنى: قضى، ويحتمل اللفظ أن يكون المعنى: ما كتبناها عليهم إلا في عموم المندوبات، لأن ابتغاء مرضاة الله بالقرب والنوافل مكتوب على كل أمة فالاستثناء على هذا احتمال متصل.
واختلف الناس في الضمير الذي في قوله: {فما رعوها} من المراد به؟ فقيل إن الذين ابتدعوا الرهبانية بأنفسهم لم يدوموا على ذلك ولا وفوه حقه، بل غيروا وبدلوا، قاله ابن زيد وغيره، والكلام سائغ وإن كان فيهم من رعى: أي لم يرعوها بأجمعهم، وفي هذا التأويل لزوم الإتمام لكل من بدأ بتطوع ونفل أنه يلزمه أن يرعاه حق رعيه. قال ابن عباس وغيره: الضمير للملوك الذين حاربوهم وأجلوهم وقال الضحاك وغيره: الضمير للأخلاف الذين جاؤوا بعد المبتدعين لها، وباقي الآية بين. وقرأ ابن مسعود: {ما كتبناها عليهم لكن ابتدعوها}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال ابن القيم:

فصل ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الرعاية:
وهي مراعاة العلم وحفظه بالعمل ومراعاة العمل بالإحسان والإخلاص وحفظه من المفسدات ومراعاة الحال بالموافقة وحفظه بقطع التفريق فالرعاية صيانة وحفظ ومراتب العلم والعمل ثلاثة رواية وهي مجرد النقل وحمل المرويو دراية وهي فهمه وتعقل معناه ورعاية وهي العمل بموجب ما عمله ومقتضاه فالنقلة همتهم الرواية والعلماء همتهم الدراية والعارفون همتهم الرعاية وقد ذم الله من لم يرع ما اختاره وابتدعه من الرهبانية حق رعايته فقال تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} رهبانية منصوب بابتدعوها على الاشتغال إما بنفس الفعل المذكور على قول الكوفيين وإما بمقدر محذوف مفسر بهذا المذكور على قول البصريين أي وابتدعوا رهبانية وليس منصوبا بوقوع الجعل عليه فالوقف التام عند قوله: {ورحمة} ثم يبتدىء {ورهبانية ابتدعوها} أي لم نشرعها لهم بل هم ابتدعوها من عند أنفسهم ولم نكتبها عليهم وفي نصب قوله: {إلا ابتغاء رضوان الله} ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه مفعول له أي لم نكتبها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله وهذا فاسد فإنه لم يكتبها عليهم سبحانه كيف وقد أخبر: أنهم هم ابتدعوها فهي مبتدعة غير مكتوبة وأيضا فإن المفعول لأجله يجب أن يكون علة لفعل الفاعل المذكور معه فيتحد السبب والغاية نحو: قمت إكراما فالقائم هو المكرم وفعل الفاعل المعلل هاهنا هو الكتابة وابتغاء رضوان الله فعلهم لا فعل الله فلا يصلح أن يكون علة لفعل الله لاختلاف الفاعل.
وقيل: بدل من مفعول {كتبناها} أي ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله وهو فاسد أيضا إذ ليس ابتغاء رضوان الله عين الرهبانية فتكون بدل الشيء من الشيء ولا بعضها فتكون بدل بعض من كل ولا أحدهما مشتمل على الآخر فتكون بدل اشتمال وليس بدل غلط فالصواب: أنه منصوب نصب الاستثناء المنقطع أي لم يفعلوها ولم يبتدعوها إلا لطلب رضوان الله ودل على هذا قوله: {ابتدعوها} ثم ذكر الحامل لهم والباعث على ابتداع هذه الرهبانية وأنه هو طلب رضوان الله ثم ذمهم بترك رعايتها إذ من التزم لله شيئا لم يلزمه الله إياه من أنواع القرب لزمه رعايته وإتمامه حتى ألزم كثير من الفقهاء من شرع في طاعة مستحبة بإتمامها وجعلوا التزامها بالشروع كالتزامها بالنذر كما قال: أبو حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه وهو إجماع أو كالإجماع في أحد النسكين.
قالوا: والالتزام بالشروع أقوى من الالتزام بالقول فكما يجب عليه رعاية ما التزمه بالنذر وفاء يجب عليه رعاية ما التزمه بالفعل إتماما وليس هذا موضع استقصاء هذه المسألة.
والقصد: أن الله سبحانه وتعالى ذم من لم يرع قربة ابتدعها لله تعالى حق رعايتها فكيف بمن لم يرع قربة شرعها الله ورضيها لعباده وأذن بها وحث عليها.
فصل قال صاحب المنازل: الرعاية: صون بالعناية وهي على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: رعاية الأعمال.
والثانية: رعاية الأحوال.
والثالثة: رعاية الأوقات.
فأما رعاية الأعمال: فتوفيرها بتحقيرها والقيام بها من غير نظر إليها وإجراؤها على مجرى العلم لا على التزين بها أما قوله صون بالعناية أي حفظ بالاعتناء والقيام بحق الشيء الذي يرعاه ومنه راعي الغنم وقوله أما رعاية الأعمال: فتوفيرها بتحقيرها فالتوفير: سلامة من طرفي التفريط بالنقص والإفراط بالزيادة على الوجه المشروع في حدودها وصفاتها وشروطها وأوقاتها وأما تحقيرها: فاستصغارها في عينه واستقلالها وأن ما يليق بعظمة الله وجلاله وحقوق عبوديته أمر آخر وأنه لم يوفه حقه وأنه لا يرضى لربه بعمله ولا بشيء منه.
وقد قيل: علامة رضى الله عنك: إعراضك عن نفسك وعلامة قبول عملك: احتقاره واستقلاله وصغره في قلبك حتى إن العارف ليستغفر الله عقيب طاعته وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة استغفر الله ثلاثا وأمر الله عباده بالاستغفار عقيب الحج ومدحهم على الاستغفار عقيب قيام الليل وشرع النبي صلى الله عليه وسلم عقيب الطهور التوبة والاستغفار.
فمن شهد واجب ربه ومقدار عمله وعيب نفسه: لم يجد بدا من استغفار ربه منه واحتقاره إياه واستصغاره وأما القيام بها فهو توفيتها حقها وجعلها قائمة كالشهادة القائمة والصلاة القائمة والشجرة القائمة على ساقها التي ليست بساقطة.
وقوله: من غير نظر إليها أي من غير أن يلتفت إليها ويعددها ويذكرها مخافة العجب والمنة بها فيسقط من عين الله ويحبط عمله.
وقوله: وإجراؤها على مجرى العلم هو أن يكون العمل على مقتضى العلم المأخوذ من مشكاة النبوة إخلاصا لله وإرادة لوجهه وطلبا لمرضاته لا على وجه التزين بها عند الناس.
قال: وأما رعاية الأحوال: فهو أن يعد الاجتهاد مراءاة واليقين تشبعا والحال دعوى أي يتهم نفسه في اجتهاده: أنه راءى الناس فلا يطغى به ولا يسكن إليه ولا يعتد به وأما عده اليقين تشبعا فالتشبع: افتخار الإنسان بما لا يملكه ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور وعد اليقين تشبعا: يحتمل وجهين أحدهما أن ما حصل له من اليقين لم يكن به ولا منه ولا استحقه بعوض وإنما هو فضل الله وعطاؤه ووديعته عنده ومجرد منته عليه فهو خلعة خلعها سيده عليه والعبد وخلعته ملكه وله فما للعبد في اليقين مدخل وإنما هو متشبع بما هو ملك لله وفضله ومنته على عبده والوجه الثاني: أن يتهم يقينه وأنه لم يحصل له اليقين على الوجه الذي ينبغي بل ما حصل له منه هو كالعارية لا الملك المستقر فهو متشبع بزعم نفسه بأن اليقين ملكه وله وليس كذلك وهذا لا يختص باليقين بل بسائر الأحوال فالصادق يعد صدقه تشبعا وكذا المخلص يعد إخلاصه وكذا العالم لاتهامه لصدقه وإخلاصه وعلمه وأنه لم ترسخ قدمه في ذلك ولم يحصل له فيه ملكة فهو كالمتشبع به ولما كان اليقين روح الأعمال وعمودها وذروة سنامها: خصه بالذكر تنبيها على ما دونه.
والحاصل: أنه يتهم نفسه في حصول اليقين فإذا حصل فليس حصوله به ولا منه ولا له فيه شيء فهو يذم نفسه في عدم حصوله ولا يحمدها عند حصوله وأما عد الحال دعوى: أي دعوى كاذبة اتهاما لنفسه وتطهيرا لها من رعونة الدعوى وتخليصا للقلب من نصيب الشيطان فإن الدعوى من نصيب الشيطان وكذلك القلب الساكن إلى الدعوى مأوى الشيطان أعاذنا الله من الدعوى ومن الشيطان.
فصل:
قال: وأما رعاية الأوقات: فأن يقف مع كل خطوة ثم أن يغيب عن حضوره بالصفاء من رسمه ثم أن يذهب عن شهود صفوه أي يقف مع حركة ظاهره وباطنه بمقدار تصحيحها نية وقصدا وإخلاصا ومتابعة فلا يخطو هجما وهمجا بل يقف قبل خطوة حتى يصحح الخطوة ثم ينقل قدم عزمه فإذا صحت له ونقل قدمه انفصل عنها وقد صحت الغيبة عن شهودها ورؤيتها فيغيب عن شهود تقدمه بنفسه فإن رسمه هو نفسه فإذا غاب عن شهود نفسه وتقدمه بها في كل خطوة فذلك عين الصفاء من رسمه الذي هو نفسه فعند ذلك يشاهد فضل ربه ولما كانت النفس محل الأكدار سمي انفصاله عنها: صفاء وهذه الأمور تستدعي لطف إدراك واستعدادا من العبد وذلك عين المنة عليه وأما ذهابه عن شهود صفوه: أي لا يستحضره في قلبه ويشهد ذلك الصفو المطلوب ويقف عنده فإن ذلك من بقايا النفس وأحكامها وهو نوع كدر فإذا تخلص من الكدر لا ينبغي له الالتفات والرجوع إليه فيصفو من الرسم ويغيب عن الصفو بمشاهدة المطلب الأعلى والمقصد الأسنى. اهـ.

.قال النووي:

قال الْعُلَمَاء: الْبِدْعَة خَمْسَة أَقْسَام: وَاجِبَة، وَمَنْدُوبَة وَمُحَرَّمَة، وَمَكْرُوهَة، وَمُبَاحَة. فَمِنْ الْوَاجِبَة: نَظْم أَدِلَّة الْمُتَكَلِّمِينَ لِلرَّدِّ عَلَى الْمَلَاحِدَة وَالْمُبْتَدِعِينَ وَشِبْه ذَلِكَ. وَمِنْ الْمَنْدُوبَة: تَصْنِيف كُتُب الْعِلْم، وَبِنَاء الْمَدَارِس وَالرُّبُط وَغَيْر ذَلِكَ. وَمِنْ الْمُبَاح: التَّبَسُّط فِي أَلْوَان الْأَطْعِمَة وَغَيْر ذَلِكَ. وَالْحَرَام وَالْمَكْرُوه ظَاهِرَانِ. وَقَدْ أَوْضَحْت الْمَسْأَلَة بِأَدِلَّتِهَا الْمَبْسُوطَة فِي تَهْذِيب الْأَسْمَاء وَاللُّغَات، فَإِذَا عُرِفَ مَا ذَكَرْته عُلِمَ أَنَّ الْحديث مِنْ الْعَامّ الْمَخْصُوص. وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة، وَيُؤَيِّد مَا قُلْنَاهُ قول عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي التَّرَاوِيح: نِعْمَتْ الْبِدْعَة، وَلَا يَمْنَع مِنْ كَوْن الْحديث عَامًّا مَخْصُوصًا. قوله: (كُلّ بِدْعَة) مُؤَكَّدًا (بِكُلِّ)، بَلْ يَدْخُلهُ التَّخْصِيص مَعَ ذَلِكَ، كَقولهِ تعالى: {تُدَمِّر كُلّ شَيْء}. اهـ.